الاثنين، مايو ١٤، ٢٠١٢

الموت ... وحدي

دماء على الأرض في العباسية - 29 أبريل 2012

 قصتي قصة بنت وقفت في يوم السماء بتمطر فيها كرات نار, في وسط الخبط و سرينة الاسعاف و الطوب اللي بيطير حواليها, وقفت لوحدها.
وقفت وشها للنار, فردت ضهرها, نشفت جسمها و ابتدت تتمرن انها ما تتنفضش مع كل ضربة رصاص, ما تدورش وشها كل اما جسم مغلف بالدم يتشال من على الأرض, و تعيط, بس و هي ثابتة في مكانها.

افتكرت بداية قصتي. افتكرت ازاي وقتها عرفت اني باخطو أولى خطوات أهم رحلة في حياتي, هاكتشف فيها  بنت تانية مستخبية جوايا, بس كمان هيبقى رفيقي الأساسي فيها "الوحدة"

احتضنت قدري و بقيت في كل معركة, بابتكر طرق أفضل للاختفاء في وسط الناس, للبهتان, لتدشين وحدتي في وسط الخرطوش و الغاز, أغطي شعري, الف كوفية على وشي, احني ضهري, أدفس ايدي في جيوبي, و اتسحب للصفوف الأمامية.

عمري ما فهمت ليه باطلع قدام. ما باعرفش ارمي طوب, لو حدفته غالبا هيصيب الثوار قبل اما ييجي في العدو, بس كنت دائما باحس اني لازم أبقى قدام. يمكن عشان أحكي ان اللي قدام دول جدعان. دول أجدع الجدعان, مش بلطجية ولا مجرمين. دول اللي لما الخرطوش و الرصاص بيتضرب و احنا نوطي و نجري, هم ياخدوا خطوة لقدام و يغازلوا الموت و جبروت الأعداء.
دول اللي خلوني أرتضي الموت بس عشان في وسطيهم.

في يوليو كتبت اني اتصالحت مع الموت.
أنا العيلة اللي أسوأ كوابيسها الموت, شوفت الموت دافي, منور... حلو؟
غالبا غلط أوصفه ب "حلو" بس كان في حاجة ملهمة في مقاومة الرصاص بالجسد,  بالهتاف و الثبات و ساعات كمان النكت, في الموت في شوارع وسط البلد في عز النهار و احنا بنهتف للثورة و في وسط صحبة حلوة.

بس ديسمبر جه ببرده و أشباحه و رجعلي الموت و كوابيسه

موتنا كان رخيص. ماكانش موت قوة و نور زي يونيو, ماكانش موت بتحدي في وسط هتاف و صخب و ناس بتشجعك على التقدم و الثبات. موتنا كان من سكات, في الظلام, رصاصة, اتنين, تلاتة, شهيد, اتنين, تلاتة.
كان موت بارد, قاسي, كله وحدة.
شهيد  يقع , جسمه  يخبط الأرض, دمه يسيل و يحررلنا رقعة جديدة من الأسفلت و يتشال في صمت.
الميدان كان كئيب, ضلمة. على الأرض مسارات دم الشهداء متحددة بالطوب.
كل ثائر هناك في  الساعات الأخيرة قبل الفجر: مشروع شهيد . كل ثائر مفترش الأرض في حتة بيبكي, بيدعي, ساكت, مذهول, يمكن خايف, و في ايده حتة قماش عليها دم شهيد, مستني موته.
وقتها خفت. مش من الموت. خفت منه  يخطفني و أنا وحيدة.
خفت أموت, و ماشوفش وش مألوف يطمني, يبتسملي, يحاول يلحق اصابتي, او حتى يصرخ عليا, وش مألوف يودعني قبل ما أمشي.

لحد أما قابلتهم. "ش" و "ك "و "ع" : رفاق المعارك.
و بقيت أتنكر و أعمل فيها ولد و أطلع معاهم للصفوف الأمامية, و هم بطلوا يحاولوا يقنعوني بالرجوع عشان انا بنت. بقينا بنتحرك مع بعض, و لو عملت حركة من حركاتي و اتسحبت بعيد عنهم في وسط الضرب, من سكات بالاقيهم ظهروا تاني جنبي.
ماعنديش تفسير لاشمعنى هم اللي بقوا رفاق المعارك. ليه ماقدرتش أواجه الاشتباكات في وسط أصحاب الطفولة و اخترت التلاتة دول.
ما اعرفش.
كل اللي عارفاه ان فيا حتة اتطمنت لما تخيلت اني ممكن اتصاب أو أموت و هم حواليا. نسخة صغيرة مني فردت ضهرها و قررت تحاول تواجه " خوفها من الموت" بشجاعة أكتر لأن في ضهرها تلاتة أصحاب جدعان.

بس الحياة طلعت أقسى من كدة. مش مكفيها وجع القلب اللي بقى طقس يومي في حياتنا. ولا مكفيها أخواتنا و أصحابنا يتبهدلوا في السجون أو يستشهدوا غدر, مش مكفيها ان بقى المعتاد لقا الأصحاب و الأحبا في المشارح و المستشفيات و المحاكم, ولا مكفيها اننا ماعندناش حتى رفاهية اننا نحزن على اللي ماتوا, أو نستسلم للحظة لاحساس الارهاق اللي هيقضي علينا, لكن كمان لازم نخسر الأصحاب!

الثورة رغم قسوتها بتخليني انسانة أكتر, خليتني أحلم بطفلة تكبر جوايا و أنا واقفة على بعد خطوات من الموت, خليتني ألاقي صحبة أتسند عليهم و أرضى بالوجع في وسطيهم.
لكن السياسة قذرة و مهلكة, بتكسر كل الروابط الباقيالي بالنسخ الأنقى من أحلامي.
الثورة قربتني من "ش" و "ك "و "ع" و السياسة كبرت المسافات بيننا.

السياسة رجعتني تاني "وحيدة"

و المعركة الجاية, هارجع تاني أتفنن في ابتكار طرق أفضل في التنكر: أغطي شعري, الف كوفية على وشي, أحني ضهري, أدفس أيدي في جيوبي, و أتسحب للصفوف الأمامية ... لوحدي


هناك ٨ تعليقات:

Mostafa El Deeb يقول...

كلام جميل و حزين فى نفس الوقت, و عموما انت مش لوحدك و لو معنويا على الاقل.

غير معرف يقول...

حلو جدا يامنى استمرى وربنا يوفقك
يمكن انتى متعرفينيش بس انا أعرفك من زمان من أيام ماكنتى بتروحى لدكتورة ليلى فى الكليه .
معجب جدا بأفكارك وثباتك على موقفك مش السياسي لأ موقفك من الانسان نفسه.

إيمان يقول...

يمكن انتى مش حاسه باللى بتعمليه او بتأثيرة فينا فينا احنا اللى محبوسين جوه نفسنا جوه خوفنا وضعفنا .. احنا بنشوف نفسنا فيكي وفى شجاعتك بنقول لروحنا اكيد ما دام هي قدرت هيجي يوم ونقدر .. لو اتكسرتي هنموت كلنا هتموت روحنا اللى بتحلم انها في يوم تقدر تتفنن في ابتكار طرق أفضل في التنكر: وتتسحب للصفوف الأمامية
يمكن المسؤلية دي كبيييييره عليكي بس فكرى كام بنت في تاريخ البشرية شالت المسؤلية دي كام بنت ربنا خلقها لمهمه زي كده !!!!!!!!
يمكن انتى حاسه بالوحده لانك لوحدك
لكن كلنا حاسين بالوحده واحنا فى وسط الناس لاننا بنحلم اننا نكون غير نفسنا .. ربنا معاكي

Dr ElShewy يقول...

ياااااه يا منى ! قتلتينى يا بنتى ما أجملك انسانة ربنا يحفظك و يباركك تحياتى لخالد ..و لكل العائلة الرائعة

علاء شمس الدين يقول...

كلام ميطلعش الا من انسانه بكل ماتحمله الكلمه من معني....وانا عايش نفس حالتك بسال نفسي سؤال : انت بتدور هنا وسط الرصاص علي الحريه ولا بتدور علي الخروج من وحدتك بناس مشاركاك حلمك... هل انت من جواك عايز المظاهرات في الشوارع تخلص ؟

Monda R يقول...

Your writings are from the soul, a beautiful soul. At times you make me smile and other times you bring tears to my eyes. Your courage is the true definition of being human. You keep me company in my solitude away from Egypt. May God protect you and guide your courageous heart. God save Egypt

amr bakar يقول...

بعد ان خرج الثوار من لميدان حاولو تجميله لكنهم لم يستطيعو ما خلفه النظام من 30 سنه من مخلفات بلطجهوقتل ونهب وانفلات امني واهمال ودمار بشري واقتصادي فاق كل التوقعات حجم هذا الخراب وتبعاته اليوميه من جرائم على مدار عام ونصف جعلني ومعي اناس كثيرون نظن ان الخرق ربما اتسع على الراقع وان النظام السابق افسد البشر والحجر بشكل جعل اليأس يتسرب لنفوسنا لكن مثك يحعلوننا نشحذ هممنا مره اخرى وندرك ان وطننا بشبابه ما زال سيد الاوطان وامثالك يجعلونني ادرك ان وسط هذا الصدأ الذي نراه في كل مكان هناك بريق لمعدن هذا البلد الاصيل

essamsherif يقول...

رائعة كعادتك يا منى, باتمنالك بجد ضمير مرتاح, امل دائم وتحقيق كل الامانى